جعفر الخابوري المراقب العام
المساهمات : 273 تاريخ التسجيل : 19/04/2023
| موضوع: جمعية ابو الصنقيع الثقافيه الدولية رئيس الجمعية جعفر الخابوري الخميس مايو 04, 2023 9:48 am | |
| السودان.. قراءة لما يجري غرب البحر الأحمر وهل له علاقة بما جرى شرقه؟
بقلم: د. سمير الددا
قاتل الله السلطة وهيلمانها, دفعت المسلم لقتل أخيه وهو صائم قائم, ولم يراعي حرمة العشر الاواخر من رمضان ولا ليلة القدر ولا حتى يوم عيد الله وايامه وما بعد ذلك, كل هذه اللليالي والايام الفاضلة لم تشفع لمئات من اهلنا في السودان اللذين سفكت دماءهم ظلماً وجوراً بدون وجه حق, وبدون اي مبرر وهذا مؤشر شديد الوضوح على موت الضمير وانعدام الوازع الديني والاخلاقي والوطني لدى من اشعلوا هذه الفتنة.
ما يجري في السودان يكشف عن حقيقة طبيعة الرجلين اللذان ابتلي بهما هذا البلد الطيب, ونستطيع الجزم أن كليهما بعيد عن السودانية (طبيعة اهلنا في السودان), فالسودانيون اناس طيبون بالفطرة ومجبولون على التسامح وحب الخير, وغريب عليهم كل هذه القسوة وهذا الامعان في الاجرام الذي شاهدناه يعربد في شوارع الخرطوم وفي اقدس الايام والليالي, وانتشار جثث القتلى في شوارع العاصمة في ايام عيد الفطر المبارك وبعدها, وهذا أمر يفطر القلب, ويبرهن بالقطع ان من يجرؤ على ارتكاب هذه المجازر بحق اشقائه من اهل بلده وبهذه الوحشية وفي هذا التوقيت ليس عنده ذرة وطنية ولا يمت للشعب السوداني المحب للسلام بأي صلة ولايحب السودانيين فمن يحب أناس لا يسفك دماءهم تحت اي ظرف من الظروف ومهما كانت الدوافع, من يقدم على اقتراف مثل هذه الجرائم البشعة بحق ابناء جلدته وبدون مبرر انما يثير حوله الكثير من الشكوك والتساؤلات....لمصلحة من...؟؟؟. بالطبع مصلحة السودانيين لن تكون (كما حدث ويحدث في الاسابيع الثلاثة الماضية) في قتلهم ورمي جثثهم في الشوارع او إلقائها في النهر كما حدث في مجزرة القيادة العامة في الخرطوم التي ارتكبتها قوات الحكومة والدعم السريع في منتصف عام 2019 حين قتلوا أكثر من مائة من السودانيين وفقاً لاقل التقديرات والقت بالعشرات من جثثهم في النيل.
السؤال البديهي, من هو صاحب المصلحة الحقيقي من قتل أبناء الشعب السوداني المسلم....؟
الجواب التلقائي, المستفيد بالقطع هم أعداء السودان وبالتحديد غير المسلمين.... ومن المنطقي الاعتقاد الراسخ بأن طرفي الفتنة يعملان على تنفيذ أجندة أعداء السودان والاسلام.
عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) هما قطبا الحرب الاهلية التي اندلعت في العشر الاواخر من شهر رمضان الماضي, وكلاهما من اقطاب نظام الرئيس السابق عمر البشير التي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية لمذكرة لاعتقاله بسبب ما وصفته حينها مسؤوليته عن جرائم الحرب التي ارتكبت في اقليم دارفور غرب السودان, الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية والتعذيب والاعتصاب والتهجير القسري.
البشير كان رئيس الدولة ولم يكن منخرطاً مباشرة في القتال الميداني الذي كان يجري في الاقليم الذي تمرد على نظامه عام 2003 وان كان يتحمل المسؤولية السياسية والاخلاقية بحكم منصبه, ووفقاً لمنطق الامور من الأولى أن يتحمل المسؤولية الجنائية المباشرة عن الجرائم التي وقعت في الاقليم القادة العسكريون والميدانيون الذين أداروا المعارك حينها وانخرطوا فيها بشكل مباشر واعطوا الأوامر بأرتكاب الجرائم المشار اليها ويأتي على رأس هؤلاء كلا من عبد الفتاح البرهان بصفته رئيس أركان الجيش السوداني ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات ما كان يعرف بعصابات الجنجويد سيئة السمعة في ذلك الوقت والتي أصبحت تعرف حالياً باسم قوات الدعم السريع وبلغ تعداد أفرادها حوالي 100 ألف مقاتل.
تجدر الإشارة إلى أنه في أوائل عام 2003، تعاونت مليشيات الجنجويد مع قوات الحكومة السودانية أثناء نزاعها المسلح مع الجماعات المتمردة لتنفيذ حملة منهجية من "التطهير العرقي" استهدفت الحملة مدنيين من جماعات الفور والمساليت والزغاوة العرقية التي ينتمي إليها أعضاء الجماعات المتمرّدة, في هجمات جوية وبرية، قتلت القوات الحكومية السودانية والميليشيات المتحالفة معها، واغتصبت وهجرت قسراً أكثر من مليونَي شخص من منازلهم وأراضيهم, اي انه كان الاجدر بالمحكمة الجنائية ان تصدر مذكرات اعتقال بحق البرهان وحميدتي بالدرجة الاولى, ولكن غض المحكمة نظرها عن الرجلين هو ما أثار الكثير من التساؤلات, ليتبين حالياً ان الرجلين محصنان بحكم ارتباطات مشبوهة بقوى دولية نافذة قادرة على تحييد المحكمة الدولية فيما يخص الرجلين.
ومما يعزز هذا الطرح, التوقيت المشبوه الذي أشعلا فيه المعارك السودان بلا اي مبرر مقنع وهذا اكثر ما يثير الريبة والشك, فالرجلان يرتبطان بعلاقة وثيقة وقديمة يزيد عمرها عن 20 عاماً منذ ايام دارفور وحتى قبلها وصولاً الى شراكتهما في الاستيلاء على مقاليد الحكم في الخرطوم بعد انقلابهما قبل حوالي 4 سنوات على نظام عمر البشير الذي كانا هما انفسهما قطبين اساسيين من اقطابه, فاحتل البرهان رئاسة مجلس السيادة (منصب الرئيس) وكان حميدتي نائباً له وما يربطهما أكثر بكثير مما يفرقهما, وهذا هو مصدر الحيرة والتساؤل, ما الذي استجد بينهما ولماذا الآن...؟؟
للاجابة على هذا التساؤل, لا بد من قراءة سريعة للاوضاع الاقليمية للدول الوازنة في المنطقة (حول السودان) ولا بد من الاخذ في الاعتبار ما حصل على الساحل الشرقي للبحر الاحمر الذي يفصل بين السودان وبين دول الخليج العربي وما شهدته المنطقة من مصالحات اقليمية ضخمة بمبادرة من السعودية, وترطيب الاجواء بين دول الخليج وايران وبين أطراف المعادلة اليمنية بما في ذلك تبادل الاسرى بينهما, وكذلك بين سوريا وشقيقاتها الدول العربية وهدوء ملحوظ في العراق وكذلك بدء تنفيس حدة الازمة الطاحنة التي عصفت بلبنان, كل ذلك ادى الى انحسار في منسوب التوتر في المنطقة واضفى شئ من الاستقرار على اجواءها, اضف الى ذلك نية بعض الدول الكبيرة في المنطقة في الانضمام الى منظومة دول البريكس التي اعلن اهم اقطابها (روسيا والصين) عزمهم العمل على ايجاد نظام عالمي جديد اكثر عدلا وانصافاً من النظام الدولي القائم الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة منذ اكثر من ثلاثة عقود وتسخره لتحقيق مصالحها هي فقط ولو على حساب دول العالم الاخرى, كل هذه التطورات التي تشهدها المنطقة لم ترق للولايات المتحدة الامريكية, بل اثارت حفيظتها, فهي تعتبر هذه المنطقة هي منطقة نفوذ لها وحدها وتحت سيطرتها منذ عقود وان الهدوء النسبي التي بدأ يسود المنطقة ونية بعض دولها التوجه شرقاً, يشكل تهديداً خطيراً لمصالحها وينذر بتقويض نفوذها هناك اذ انه من اهم ادوات سيطرتها على المنطقة هي نشر الفوضى والتوتر فيها وزعزعة استقرارها.....!!!!!.
في السياق ذاته, ليس سراً أن الولايات المتحدة تستعمل مخلبها في المنطقة (الكيان الصهيوني) لزعزعة استقرار المنطقة وبقائها في حالة توتر دائم ليسهل السيطرة عليها, ولكن الكيان الصهيوني بسبب الانقسامات التي يشهدها مؤخراً وحالة الضعف التي يعيشها بات عاجزاً عن اثارة الفوضى وزعزعة الاستقرار بعدما اصبح هو نفسه مهدداً من صواريخ حزب الله من لبنان وحماس من غزة والقوات المقاومة من الاراضي السورية, الى جانب توتر علاقته مع الطرف الروسي بسبب موقفه من الاحرب في اوكرانيا وانعكاس ذلك سلباً على التنسيق مع الروس في الشمال السوري وبالتالي لم يعد آمناً قيامه بصولات وجولات في سماء سوريا لضرب ما يسميهم اذرع ايران هناك كما يزعم, بالاضافة الى التظاهرات الضخمة التي يعيشها والتي وصفها اكبر المسؤولين الصهاينة بانها تهدد وجود الكيان, كل ذلك جعل الكيان عاجزا عن لعب دوره الذي اسسته دول الاستعمارية من اجله وهو زعزعة استقرار المنطقو ونشر الفوضى فيها كما اشرنا.
لذا رأت الولايات المتحدة نفسها مجبرة ان تستعين بعملاء اخرين لها لاثارة الفوضى في المنطقة, فكان ان لجأت الى ارشيفها وخرجت لنا بهذين الاحمقين للعب هذا الدور القذر وتفجير المنطقة خدمة للمصالح الأمريكية.
وفي هذا السياق, كانت إتفاقيات ما يسمى بالتطبيع الذتي قام بتوقيعها مع العدو الصهيوني كلا من البرهان وحميدتي مقابل ضمان المخابرات المركزية الامريكية وربيبتها الموساد بقائهما في هرم السلطة, ومقابل لا شئ تقريباً للسودان على الرغم من ما تم اعلانه في حينه (على سبيل ذر الرماد في العيون) انه سيتم رفع اسم السودان من قوائم الارهاب الامريكية, ورفع العقوبات الامريكية عن السودان وضخ المليارت لدعم الاقتصاد وتحقيق الازدهار في السودان, ولكن على ارض الواقع كان كل ذلك وعود جوفاء خدعوا بها الشعب السوداني الذي كان وما يزال وسيبقى اكثر من 99.99% منه يرفضوا هذه الاتفاقات وكانت النتيجة التي كانت متوقعة لهذه الاتفاقات مزيداً من الفشل الاقتصادي كبقية الدول التي وقعت على اتفاقات مماثلة, استفحال حالة الضنك المعيشي في السودان والمزيد من التوتر الامني في البلاد الى ان انزلقت الى حرب أهلية شعواء شرسة مرشحة للاستمرار الى ان يجدوا بؤر توتر اخرى تزعزع استقرار المنطقة.
ولكن لماذا اختارت الولايات المتحدة تفجير السودان وبهذه القوة, على الأرجح تهدف إلى أمرين:
الأول اثارة الفوضى في المنطقة ونشرها في الدول المجاورة, وكل المعطيات تشير بوضوح انها الى الان لم تنجح ولن تنجح مستقبلا بعون الله, وخصوصاً في الدول المستهدفة شمال السودان وشرقه عبر البحر (مصر والسعودية وشقيقاتها) والتي بدأت في نسج شبكة علاقات دولية متوازنة على أساس المصالح المتبادلة بما في ذلك (وفقاً لمبدأ المصالح المشتركة) علاقات مع الولايات المتحدة كقوة عالمية رئيسية الى جانب قوى اخرى.....وهذا يعني فشلاً امريكياً في الاحتفاظ بدول المنطقة وخصوصاً الرئيسية منها كمناطق نفوذ حصرية نتيجة لقصر نظر سياسة واشنطن وفشلها في قراءة المتغيرات الدولية والتكيف معها.
الثاني وأظنها نحجت فيه نسبياً, صرف الاهتمام الدولي المركز (سياسياً واعلامياً) عن ما يجري في اوكرانيا والفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة وحلفاءها هناك رغم الامكانيات العسكرية الهائلة التي خصصوها لما وصفوه (منع روسيا من الانتصار) وما اسموه هجوم الربيع, والنتيجة ان كل ذلك ذهب ادراج الرياح وروسيا تحقق نتائج ميدانية مهمة بما في ذلك ما اعلنه الاثنين وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو ان بلاده دمرت مستودعات الاسلحة التي أرسلتها الدول الغربية الى نظام زيلينسكي في كييف, مما افشل ما سمي هجوم الربيع الذي لم يعد مطروحاً.
أما اقتصادياً, وفي اشارة إلى فشل العقوبات الامريكية الغير مسبوقة تاريخياً من حيث الحجم والقسوة على روسيا, فقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في الثامن والعشرين من شهر ابريل الماضي الى ان الاقتصاد الروسي يحقق نموأً بنسبة 0.7% في الربعين الأول والثاني من العام الجاري, وهذا شكل مفاجأة مدوية غير سارة للبيت الابيض الذي كان يعتمد على هذه العقوبات لتحطيم الاقتصاد الروسي وانهيار الدولة الروسية.. ولكن كان للقدر كلام آخر.....!!
آخر الكلام:
يبدو أن الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية قد اعتراها الوهن واصابها الحول, عسكرياً خسرت في اوكرانيا بشهادة العديد من الخبراء العسكريين والمختصين الامريكيين وكل المؤشرات الميدانية تبرهن ذلك, وأقتصادياً أخطأت عقوباتها وسياساتها الاقتصادية الصارمة في اصابة الهدف, فها هي تدمر اقتصاديات حلفائها في اوروبا بدلاً من الاقتصاد الروسي الذي يحقق نمواً وبشهادة أهم مؤسسة مالية دولية. | |
|