يقول أحدهم : ذهبتُ مع أبي قبل خمسين سنة الى الحج بصحبة قافلةٍ من الجِمال.. وعندما تجاوزنا منطقةً يُقال لها "عفيف" قال لي أبي: أنزلني عن ظهر البعير ياولدي لأمشي قليلاً .. فأنزلته عن البعير ومشى خلفي ... و بعد فترة وجيزة نظرتُ خلفي وجدت نفسي و القافلة قد ابتعدنا كثيرا عن مكان أبي .. فرجعت جارياً على قدمي .. و رأيت أبي يمشي بخطاه الثقيلة نحونا .. فهرعت إليه و حملته على كتفي ثم أنطلقنا رجوعاً الى القافلة... وأنا أمشي أحسست رطوبة نزلت على وجهي.. وما هي إلا دموع أبي تنهمر على خدّيه و راح يبكي .. فقلت له: يا أبي، يا أبي، و الله أنك عندي خفيف ولا أحس بالتعب، و هذا يشعرني بالسعادة فلا تحزن من اجلي .. فقال الأب: ليس لهذا بكيتُ ياولدي.. و لكن بكيتُ لأنني في هذا المكان حملتُ "أبي"، جدّك، على كتفي قبل ثلاثين سنة عندما أراد أن يحج ..وانت الآن تحملني على كتفيك تماماً كما فعلتْ.
لذلك عليك أن تعلم ان فقدتَ مكان بذورك يوماً ما سيخبرك الغيث أين زرعتها... من بدأ بالعطية من غير طلب وأكمل المعروف من غير أمتنان فقد أكمل الأحسان... وكما تدين تدان .