رموه على جسر النهر مضروبا وكان جسمه مليء بالجروحات ويعجز عن الحركة ، أغشي عليه ولكنه استفاق على يد تضمد جراحه ، وتنظر إليه مبتسمة بعينان خضراون ووجه كأنه القمر في اكتماله وسألها من أنتِ؟ يبدو أنك لست من أهل البلدة؟
قالت : اسمي علياء بنت ناعس ملك الأرض البيضاء ، وجدتك تئن بجوار النهر فحاولت مساعدتك .
تعجب من الاسم وقال : اسم غريب ولكن على العموم شكرا لاهتمامك .
قالت متسائلة : ما الذي حدث لك ؟
أجاب : كنت أعيش مع أبي وأمي في منزلنا وكان لنا جار لأرضنا اسمه عرفان الوايلي ، حاول الحصول على أرضنا بكل الحيل ولكن أبي كان يرفض لأن الأرض تعز عليه ويحبها جدا ، ولكن الرجل لأنه من كبراء البلد زاد في إيذاء أبي وحاول أبي أن يشتكيه للعمدة ولكن العمدة لم يفعل شيء ، حاول أن يطلب مساعدة أقاربنا ولكنهم تخلوا عنه لأنهم لاطاقة لهم بهذا الرجل ولن يعادوه من أجل أبي . لدرجة أن أمي تعبت وكان أبي يريد إيصالها للمستشفى وحاول أن يلتمس مواصلة ولكن رفض الجميع ان يقفوا بجانبه لأن عرفان أمر الجميع بأن يبتعدوا عن أبي . ماتت أمي بسبب سوء حالتها ، ومات أبي حزنا عليها وعلى ما رأه من أهل القرية ، وحاول عرفان إغرائى وشراء الأرض ولكني رفضت وأغلظت له الرد بأن حق أمي وأبي سوف آخذه ، فأمر رجاله بربطي وضربي وجعلوني أبصم رغما عني ببيع الأرض والمنزل كذلك وامرهم بأن يلقوني خارج البلد وإن رأوني بعد ذلك يقت* لوني .
دمعت عيناه وبدأت الدموع تنهمر من عينيه وبكت علياء على حاله ، وحاولت التخفيف عنه وطلبت منه أن تحمله لمكان آمن حتى يبرأ من جروحه . ظلت ترعاه وتهتم بشؤونه حتى أنها تعلقت به وتعلق بها وأصبحت هي حياته وعوضته عن أحزان كثيرة عاشها وظل يتنقل بين البساتين المختلفة ويزور أماكن لم يقرأ حتى عنها ولم ير مثلها وعلم أنها أميرة من أميرات الجن ووالدها ملك هذه الأرض . ولكنه كان ينتظر الفرصة لياخذ حقه . بعد شهور طلب منها أن يذهب ليحصل على حقه ، حاولت بكل الطرق أن تمنعه وطلبت منه أن ينسى وأن يعتبر هذه الأرض أرضه ولكنه أصر على إعادة ما له وان تمهله يوما كي يرى ماذا سيفعل وأن يرى ما آلت إليه الأمور .
أوصلته لحافة النهر وقالت له سأنتظرك هنا غدا في نفس المكان .
ذهب للقرية والناس تفاجأت به ووصل عند أرضه ووقف أمامها ووجدها قد أصبحت هي وأرض عرفان قطعة واحدة . ذهب لمنزله ووجده مغلقا ففتحه بالقوة ودخله فإذا هو كما تركه ولكنه مغلق . كان الخبر وقتها قد وصل ل عرفان فأتى مع رجاله ووجدوه في صحة وعافية والناس اجتمعت ووقف وقال بأعلى صوته : أنا محمد بن عمر ابو هاشم و المنزل دا منزلنا وسأعيش فيه والأرض ستعود رغما عن أي شخص .
نظر إليه عرفان وابتسم ساخرا وقال : يظهر أنك لم تتعلم شيئا مما حدث لك ،
اترك البلد وارحل وإلا سندفنك فيها .
أهل القرية واقفون لم يحركوا ساكنا ، وأقاربه لم يتحدثوا ولم يفعلوا أي شيء فقط ظلوا يشاهدون مع الناس .
فجأة وجد رجال عدنان يندفعون نحوه ليمسكوا به ولكنه سبقهم للداخل ووجد فأسا فأمسكها ولما وجدوه ممسكها تراجعوا ولكن عرفان وجده ممسكا بالفأس فأخرج مسدسا وهدده بترك الفأس ولكنه رفض وظل واقفا فوجد رصاصه قد انطلقت أمام قدمه ووجد عرفان يقول له : إن لم ترم الفأس وترحل ستصيب الطلقة القادمة صدرك .
أمسك الفأس واندفع ناحية عرفان ولكن الطلقة كانت أسرع وأصابت صدره فخر على الأرض صريعا .
أتى العمدة والخفر ووجدوا محمد مرمي على الأرض وصاح عرفان قائلا : اشهدوا يا بلد البيت دا بيتي وهو اقتحمه بالقوة وكان عايز يعتدي عليا وأنا دافعت عن نفسي وانت يا عمدة اتصل بالمركز ليحرروا محضر .
قال العمدة : لا محضر ولا حاجة يا سي عرفان ، الولد مات ميتة عادية وهندفنه ولا إيه يا أهل البلد ؟
لم يجيبوا ولكنهم ظلوا صامتين .
وقال عرفان : ياعمدة رجالتي هم اللي هيغسلوه و هيدفنوه كمان ، عشان تعرفوا إن قلبي طيب ولازم نكرم الميت
وأمرهم بحمله وعاد أهل القرية لمنازلهم وأمر عرفان رجاله بإلقاء جثة محمد بعد العشاء في النهر ليحمله الماء لبعيد أو ليأكله السمك .
كانت علياء تنتظر محمد في ذلك الوقت ولكنها رأت مجموعة رجال قادمين يخرجون شيئا من السيارة ويلقونه في النهر فخفق صدرها وانطلقت بعدما مشوا بلحظات فوجدته محمد فاخذت تصرخ وحملته لأرضها وظلت تبكي وأخذت تنظر إليه وتنادي عليه وتصرخ حتى وصلت لمنزلها وأعطته للطبيب لديها وقالت له أنه قُتل وأمرته بتغسيله حتى تنتهي من الانتقام من أهل القرية جميعهم وجمعت صفوة الخدم لديها وانطلقت نحو القرية ليلا ...
انطلقت علياء ومعها الجنود الذين اصطفتهم من الجن ، وصلوا القرية التي كان أهلها ينامون سعداء مطمئنين ، كان منتصف الليل قد ولى وإذا بالمنازل تحترق والنار تشتعل في كل مكان وكل من يحاول الخروج من منزله يجد شبحا في وجهه مخيف يغشى عليه من هول المنظر ، والماشية خرجت من حظائرها منتطلقة إلى الأراضي الزراعية ، الصراخ في كل مكان والناس يصرخون من الأشباح الموجودة في الشارع والتي تلاحقهم والنيران المشتعلة في المنازل .
استدعت علياء الجن الذين يسكنون في القرية وحكى لها أحدهم ما شاهده مما فعلاه عرفان ب محمد ، أمرت علياء أن لا تمس النار منزل العمدة وعرفان .
البلدة في كل مكان منها يصدر صراخ فظيع وبكاء وعويل ، وعرفان خرج إلى شرفته المستديرة ونظر للبلد وهي تشتعل وإذا بالعمدة قادما يلهث ويقول ل عرفان أن يتصلوا بالمركز ويطلبوا النجدة ولكن عرفان قال له : لا يا عمدة اترك النار تحرق المنازل والبلد تنضف وسوف نملكها أنا وأنت وستكون ملكنا وحدنا ، في هذه اللحظة ظهرت علياء في صورة بشرية وخلفها الجنود وطرقعت بأصابعها فانطفأت النيران وهدأ الصراخ وتجمع أهل القرية .
ومعظمهم مصابون والألم يبدو عليهم .
وقالت : أهل القرية نالوا جزاء صمتهم ولكنكما لم تنالا شيئا حتى الآن .
قال عرفان وكان مخرجا مسدسه وموجهه تجاه علياء والجنود : امشي يا شاطرة انت وهم ، شغل السحرة و المشعوذين دا لن يخيل علينا .
ابتسمت علياء وقالت : هل ستضرب طلقة أمامي واخرى في صدري كما فعلت بمحمد ؟!
تعجب عرفان وقال : مين يا أهل البلد الذي قال لهم هذا الكلام ؟ وأطلق رصاصة في جندي يقف خلف علياء ولكنها لم تصبه فالتف الجنود حول المنزل واشعلوا النيران ودفعوا عرفان والعمدة داخل المنزل وأوصدوا الأبواب عليهم وبدأ عرفان يصرخ ويصيح هو والعمدة ولكن لم يجيرهم أحدا .
نظرت علياء للناس وقالت : سنقول أنهما ماتا ميتة عادية .
الناس صامتون ، فتابعت وقالت : سلبيتكم هذه ستكون سببا في هلاكم ، فالأولى تقولون الحق وتقفون أمام الظلم ولا أنكم تعيشون عيشة الجبناء هكذا ، الجبان يموت كل يوم والشجاع يموت مرة واحدة ولكنه يموت على الحق .
تركت القرية واختفت هي والجنود وأهل القرية تركوا منزل عرفان تأكله النيران ، وعاد كل منهم يفكر في الكلام وظل المنزل أمامهم كعبرة لمن يعتبر .
أما علياء عندما عادت لأرضها وجدت الطبيب ينتظرها وسألته هل غسل محمد وجهزه للدفن ولكنه ابتسم وقال : سيدتي الرصاصة لم تصب قلبه وكان في غيبوبة تشبه الموت ولو كان عند أطباء الإنس لما اكتشفوا ذلك وكانوا دفنوه ومات محتنقا بعد الدفن ، ولكني استطعت بفضل الله إنقاذه. وهو نائم الآن وسيتماثل للشفاء في أسرع وقت .
تمت ....
#عندما_تنتقم_جنية
منقوله